سلام المسيح معكم ومرحبا بكم

سلام رب المجد يسوع المسيح فليكون معكم امين

اهلا ومرحبا بكم فى مدونة الطريق الحقيقى المدونة الرسمية لجروب الطريق الحقيقى على الفيس بوك

2010-05-09

تابع २ اين قال المسيح انا الله فاعبدونى؟

(4)

آيات مؤيدة للاهوت المسيح

يعلن الكتاب المقدس، كتاب الله، أن المسيح هو الله منذ الأزل، لكنه قَبِل أن يصير إنسانًا، فولد وعاش ومات كما يحدث مع البشر، وذلك لكي يتمم قصد الله من جهة مشروع الفداء. لكنه لم يولد كما يولد باقي البشر، ولم يعش كما يعيشون، ولا مات كما يموتون، وذلك لأنه مع كونه الإنسان، لكنه ليس مجرد إنسان، بل هو أعظم بما لا يقاس.

وسنتحدث فيما يلي عن خمس مجموعات من هذه الآيات ارتبطت بالمسيح تعلن أنه ابن الله، هذه الآيات هي:

o آيات مولده: المولد العذراوي

o آيات حياته: الحياة القدوسة

o آيات موته: الموت الاختياري

o آيات قيامته: القيامة المجيدة

o ثم نختم ببعض آيات الكتاب المقدس التي تؤكد الحقيقة ذاتها

آيات مولده:

آية المولد العذراوي، ثم آيتان مصاحبتان لمولده

أولاً: آية المولد العذراوي

هذه الآية يمكن اعتبارها آية الآيات، ليس فقط لاستحالتها المطلقة من الناحية العلمية، بل لأن لها العديد من الدلالات الأدبية والروحية العظيمة. فالمولد العذراوي يحمل دلالة مبدئية هامة جدًا، وهي أن مجيء المسيح إلى العالم لم يكن بناء على رغبة إنسان، ولا كان في قدرة الإنسان، بل إنه أيضًا كان فوق توقعات الإنسان وتصوراته. وليس هذا بغريب، فالمسيح ليس شخصًا عاديًا اصطفاه الله لنفسه، بل هو ابن الله من الأزل وإلى الأبد. وهو جاء إلى العالم لا بناء على مبادرة من إنسان، بل إتمامًا لخطة الله الأزلية، وفي التوقيت الذي اختاره الله. وفي هذا يقول الكتاب المقدس: «لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة» (غلاطية4: 4).

ويخطئ كثيرًا من يظن أن المسيح بمولده من عذراء يشبه آدم في خلقه. ففي الحقيقة إن الاختلاف هنا أكبر جدًا من المشابهة. فالبعض يقول إن قدرة الله تجلَّت في خلق آدم بدون أبٍ وأمٍ، ثم في حواء التي خلقت من أب وبدون أم، وأخيرًا في المسيح الذي ولد من أمٍ بدون أب. لكن هذا الكلام غير صحيح بالمرة، فآدم مخلوق من الله خلقًا مباشرًا، وبالتالي فإنه ليس له أب أو أم. وبالنسبة لحواء فآدم لم يكن أبًا لها بل زوجها. والله لما خلق حواء من ضلعة أخذها من آدم، كان غرضه من ذلك توضيح نظرة الله المقدسة للزواج، وأنهما في نظر الله جسد واحد. لكن لا آدم ولا حواء وُلد، بل الله خلقهما، كقول الوحي الكريم: «فخلق الله الإنسان.. ذكراً وأنثى خلقهم» (تكوين1: 27).

لكن بعد حادثة خلق آدم وحواء، فإن الله جعل طريقة الدخول إلى العالم هي طريقة واحدة، لا يمكن أن يحدث دخول إلى العالم بغيرها، وهي تزاوج رجل بامرأة. واستمر هذا الأمر آلافًا من السنين، فيها وُلد ملايين وبلايين البشر بهذه الطريقة الوحيدة. إلى أن جاء المسيح، فوُلد، ولكنه وُلد بطريقة مختلفة تمامًا عن سائر البشر.

لماذا؟

ليس من سبب لذلك سوى أن المسيح مختلف عن كل البشر.

ويمكن القول إن آدم خُلق ولم يولد، وكذلك حواء. أما المسيح فقد وُلِد ولكنه لم يُخلَق.

وآدم قبل خلقه لم يكن له وجود، ولا حواء كانت موجودة قبل خلقها، لكن المسيح كان موجودًا قبل ولادته. قال المسيح في إنجيل يوحنا 8: 58 «قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن».

إذاً فمسألة الميلاد العذراوي، لها أبعاد تختلف عن مجرد قدرة الله، التي نحن نؤمن بها تمامًا، بل إنها تؤكد سمو شخص المسيح. فهذا العظيم عندما دخل إلى العالم، لم يدخله بالطريق الذي دخل منه سائر البشر.

في المطارات ومحطات السكك الحديدية الكبرى، يكون هناك عادة باب لا يفتح إلا للملوك والعظماء دون جماهير البشر الآخرين. على أن الباب الذي دخل منه المسيح إلى العالم لم يُفتح ولا حتى للمشاهير والعظماء، ولا للرسل أو الأنبياء، بل لشخص واحد في كل الكون، وذلك لأن المسيح ليس واحدًا من زمرة الأنبياء، بل هو يختلف اختلافًا جوهريًا وجذريًا عن سائر البشر، سواء في حقيقة شخصه، أو غرض مجيئه إلى العالم.

آيتان مصاحبتان لمولده

أولاً: آية ظهور الملائكة للرعاة

عندما وصل ابن الله إلى العالم، فقد أعلنت السماء لسكان الأرض هذا الخبر العظيم، ميلاد المسيح. ولقد وقع اختيار السماء على قوم من الرعاة البسطاء، كانوا محط اهتمام السماء، لأنهم أتقياء، رغم أنه لا وزن لهم أو تقدير عند العظماء. وكان هؤلاء الرعاة الفقراء أول من سمع بخبر ميلاد الفادي، في ذات ليلة الميلاد.

لقد أتى ملاك السماء لهؤلاء الرعاة يقول: «لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرحٍ عظيمٍ يكون لجميع الشعب، إنه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة؛ تجدون طفلاً مقمطًا مضجعًا في مذود» (لوقا2: 10-12).

من هو هذا الذي بمولده تتحرك السماء، وتعلن خبر مولده؟ قبل أن يولد يوحنا المعمدان قال الملاك جبرائيل لزكريا أبيه: «كثيرون سيفرحون بولادته»، وأما عند مولد المسيح فكانت كلمات الملاك للرعاة أن الفرح العظيم سيكون ”لجميع الشعب“! وذلك لأنه ولد لهم ”مخلص هو المسيح الرب“!

إذًا فلقد أعلن ملاك السماء لهؤلاء البسطاء مجدًا ثلاثيًا عن المسيح: فالذي ولد هو المخلص، وهو المسيح، وهو الرب!

يا للبشرى السارة! أخيرًا وُلد المخلِّص.

ونحن نعلم أن المسيح أتى مخلصًا، لا من عدو أرضي، ولا من مشكلة وقتية، بل من الخطايا! دعنا لا ننسى أن الله في العهد القديم كان قد صرح بشكل حاسم بأنه هو وحده المخلص، عندما قال: «أنا أنا الرب، وليس غيري مخلص» (إشعياء 43: 11)، وأيضًا: «أ ليس أنا الرب ولا إله آخر غيري، إله بار ومخلص، ليس سواي» (إشعياء 45: 21). وها قد أتى المسيح لكي يخلص شعبه من خطاياهم، وذلك لأنه هو الله الذي ظهر في الجسد

وبمجرد أن نطق الملاك بهذه العلامة العجيبة حتى حدث شيء عجيب آخر، إذ انشقت السماء على جمع حاشد من الملائكة المسبحين لله، وقائلين المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة. فهو إن كان طفلاً مقمطًا في مذود، إلا أنه موضوع تسبيح ملائكة السماء! إنه ابن الإنسان المتواضع وابن الله العظيم في آنِ! «وبالإجماع عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد ... تراءى لملائكة!» (1تيموثاوس3: 16).

ثانيًا: آية ظهور نجم السماء

لقد ارتبط مولد المسيح أيضًا بظهور نجم في السماء لمجوس من بلاد المشرق. كان هؤلاء المجوس علماء في الطبيعة والفلك. ولقد رأوا نجمًا يدل على مولد المسيح، فأتوا ليسجدوا له. فكما كلم الله الرعاة باللغة البسيطة التي يفهمونها، فقد كلم المجوس أيضًا بلغة الفلك التي يفهمونها.

وعندما أتى المجوس فقد قالوا عبارتهم الصغيرة، لكن العميقة: «إننا رأينا نجمه في المشرق، وأتينا لسنجد له» (متى2: 2). لاحظ إنهم لم يقولوا رأينا نجمًا في السماء، بل رأينا ”نجمه“!

وهؤلاء المجوس ما أن رأوا نجمه، وعرفوا بمولده، فقد شدوا الرحال فورًا إلى أورشليم. فماذا رأوا بعد كل هذا العناء وتلك المشقة؟! لم يروا شخصًا في قصرٍ عظيمٍ، بل رأوا طفلاً صغيرًا في مكان بسيط ومتواضع، تحمله امرأة رقيقة الحال. لكن ما كان أعظم إيمانهم، فهم من خلال حجاب الاتضاع وستار الفقر رأوا مجده!

لم يسجد هؤلاء المجوس الحكماء لهيرودس عندما رأوه في قصره، مع كل مظاهر العظمة الزائفة التي كانت تحوطه، لكنهم سجدوا لذلك المولود، ذلك الملك الجليل. ثم لاحظ أيضًا أنهم لما سجدوا لم يسجدوا لسواه. فلا يُقال مثلاً إنهم سجدوا للعائلة المقدسة، بل «خروا وسجدوا له» (متى2: 11).

آيات حياته

وأقصد بها آية حياتة الخالية من الخطية، ثم آيتان مصاحبتان

آية حياته القدوسه

قال واحد أنا أومن بلاهوت المسيح لأن كمال ناسوته هو الحجة على كمال لاهوته. فبخلاف جميع البشر، لم يعتذر المسيح على تصرف عمله، ولم يسحب كلمة قالها. لقد قال المسيح لليهود أعدائه: «من منكم يبكتني على خطية؟» (يوحنا8: 46). فلم يستطع واحد منهم أن ينبس ببنت شفة!

ما السر أن المسيح وحده، دون كل البشر، الذي لا يسجل له الوحي المقدس ولا التاريخ البشري أية خطية، لا بالفكر ولا بالقول ولا بالعمل؟ السبب أنه لم يكن مجرد إنسان. إن القداسة صفة أصيلة في الله، كما قالت عنه السرافيم: «قدوس قدوس قدوس، رب الجنود» (إشعياء6: 3). فليس عجيبًا أنه عندما يولد ابن الله، يقول عنه الملاك جبرائيل للمطوبة العذراء مريم: «القدوس المولود منك يُدعى ابن الله» (لوقا1: 35).

لقد عاش المسيح هنا فوق الأرض أكثر من ثلاثين سنة، وتكالبت ضده كل قوى الشر، وتجرب بكل التجارب نظيرنا تمامًا، ولكن يؤكد الوحي أنه تجرب بلا خطية. لقد سقط آدم في الخطية والتعدي فورًا عندما تجرب من امرأته، وسقطت حواء في الغواية عندما غرتها الحية، وأما المسيح القدوس فلقد تجرب من كل حدب وصوب، ولكنه قط لم يسقط أمام التجربة.

ونعرف من كتاب المقدس وكتاب الاختبار أنه لم يوجد من لم يسقط في التجربة أمام الشيطان من البشر، بل لقد نجح الشيطان أيضًا في إسقاط جمهور كبير من الملائكة (ارجع إلى رؤيا 12: 4، 7؛ متى 25: 41). لكن هناك شخص وحيد في الأرض وفي السماء، لم ينحن لتجارب الشيطان، هو المسيح.

لقد قال عنه الرسول بطرس: «لم يفعل خطية» (1بطرس2: 22)، وقال عنه الرسول بولس: «لم يعرف خطية» (2كورنثوس5: 21)، وقال عنه الرسول يوحنا: «ليس فيه خطية» (1يوحنا3: 5). الشياطين نفسها اعترفت بأنه القدوس فقالت: «أنا أعرفك من أنت، قدوس الله» (مرقس 1: 24)، والوالي الذي فحص قضيته وحكم عليه بالصلب اعترف سبع مرات أنه لم يجد فيه علة واحدة (متى 27: ؛ ؛ )؛ ويهوذا الخائن الذي أسلمه، رد الفضة بندم قائلاً: «أخطأت إذ سلمت دمًا بريئًا... ثم مضى وخنق نفسه» (متى27: 4، 5)؛ واللص الذي كان مصلوبًا إلى جواره قال: «هذا.. لم يفعل شيئًا ليس في محله» (لوقا23: 41)؛ وقائد المئة الذي كُلف بعملية صلب يسوع وحراسته، قال: «حقًا كان هذا الإنسان بارًا» (لوقا23: 47). وأما المسيح فقد شهد هو عن نفسه قائلاً: «الآب معي، لأني في كل حين أفعل ما يرضيه» (يوحنا8: 28).

آيتان مصاحبتان لحياته

رأينا أنه عند ولادة المسيح حدثت آيتان عظيمتان، واحدة في السماء الأولى (عندما ظهر للرعاة جمهور من الجند السماوي مسبحين الله)، والأخرى في السماء الثانية (عندما ظهر للمجوس نجم خاص به، قادهم إلى حيث كان المسيح الملك)، ولكن في حياة المسيح حدثت آيتان في السماء الثالثة، فالله لم يكتف بملائكته يرسلهم، ولا بنجم يُظهِره، بل في بداية خروج المسيح للخدمة، ثم قرب نهايتها، أعلن الله بنفسه من سماواته أنه وجد سروره بهذا الشخص الكامل الفريد. حدث ذلك في مياه نهر الأردن، ثم مرة ثانية من فوق جبل التجلي.

أولاً: معمودية المسيح

لقد قصد المسيح أن يبدأ خدمته الجهارية بالمعمودية من يوحنا المعمدان المرسل من الله ليهيء الطريق قدامه. وفي المعمودية جاءت شهادتان سماويتان: شهادة منظورة وأخرى مسموعة، الأولى هي شهادة الروح القدس النازل من السماء المستقر على المسيح، والثانية هي شهادة الآب يتكلم من سماواته المفتوحة فوق المسيح!

ونلاحظ أن الوحي لا يقول إن السماوات ”انفتحت“، بل انفتحت له“. ولقد سُر الله، بدخول المسيح إلى الخدمة، أن يعلن في معمودية المسيح أول إعلان واضح عن حقيقة الثالوث في المسيحية. فالمسيح خرج من المعمودية (هنا نرى الابن)، والروح القدس نزل بهيئة جسمية مثل حمامة (هنا نرى الروح القدس)، والآب من السماء يشهد عن المسيح قائلاً: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت» (متى 3: 17).

ثانيًا: حادثة التجلي

لقد كانت المعمودية في بداية خدمة المسيح، بينما التجلي كان قرب نهاية خدمته له المجد. لقد خرجت السماء عن صمتها عند مشهد المعمودية لأن المسيح القدوس البار نزل إلى مياه الأردن، واتحد نفسه مع الخطاة التائبين. ولكي لا يحدث خلط بينه وبين الخطاة، فإن الآب ميزه في الحال، قائلاً: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت» (متى3: 17). ومن فوق جبل التجلي كرر الآب على مسامع تلاميذه الإعلان عينه، لا ليميزه عن الخطاة التائبين، بل ليمزه عن القديسين!

لقد أخطأ بطرس عندما قال للمسيح: «يا رب، جيد أن نكون ههنا! فإن شئت نصنع هنا ثلاث مظال: لك واحدة، ولموسى واحدة، ولإيليا واحدة». نعم أخطأ بطرس حينما ساوى الخالق بالمخلوق، والابن بالعبد، والسيد بالخادم. لذلك نقرأ: «وفيما هو يتكلم إذ سحابة نيرة ظللتهم، وصوت من السحابة قائلاً: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا. ولما سمع التلاميذ سقطوا على وجوههم وخافوا جدًا. فجاء يسوع ولمسهم وقال: قوموا، ولا تخافوا. فرفعوا أعينهم ولم يروا إلا يسوع وحده»

ولقد انتهى مشهد التجلي الجميل بسقوط التلاميذ على وجوههم وخوفهم الشديد. ولعل النور الفائق، وصوت الآب من المجد الأسنى، سببا لهم هذا الخوف الشديد، فلقد كانوا ما زالوا في أجسادهم الترابية التي لا تتحمل بهاء النور وعظمة المشاهد السمائية، لكن المسيح جاء ولمسهم. والمسيح في هذا يقف موقف المباينة ليس فقط من التلاميذ، بل أيضًا من موسى وإيليا العظيمين، فموسى قال يوم أن رأى مشهد جبل سيناء وقد وقف الرب عليه: «أنا مرتعب ومرتعد» (عب12: 21)؛ وإيليا أيضًا لف وجهه بردائه يوم أن استشعر عبور الرب أمامه وهو في المغارة (1ملوك19: 13). وأما المسيح فقد أتى لتلاميذه وشجعهم، ويقول لنا البشير متى: «فرفعوا أعينهم ولم يروا إلا يسوع وحده» (متى 17: 8).

لقد عاد كل من موسى وإيليا إلى راحتهما، وظل المسيح في صورة العبد، ليواصل مسيرة الطاعة والتواضع حتى يختمها بالصليب. فماذا كان سيفعل لنا موسى وإيليا لو أنهما تُركا، وأخذ المسيح؟ لكن حمدًا لله «الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين» (رومية 8: 32).

ويلذ لنا أن نلحظ كيف في كل المواقف التي وصل فيها اتضاع المسيح العجيب إلى بعد كبير، أرادت السماء فورًا أن تأكد على عظمته:

فعندما ولد في مذود للبهائم، ظهر جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين: «المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة».

وعندما اتحد نفسه مع الخطاة التائبين «السماء انفتحت له».

وبعد الإعلان الأول عن رفض اليهود له وقتله (متى16: 21)، تبع ذلك مباشرة حادثة التجلي (متى 17: 1-8)، حيث جاءت شهادة الآب ثانية من السماء بأنه ”الابن الحبيب“ الذي فيه وجد الآب سروره.

وأخيرًا في موته فوق الصليب حدثت أعاجيب الجلجثة المذكورة في متى 27، كما سنرى بعد قليل.

آيات موته:

آية موته الاختياري، ثم آيتان مصاحبتان

آية موته الاختياري

ذكرنا أن المسيح لم يولد كما يولد باقي البشر، بل ولد بمعجزة، ولم يعش كما يعيشون، فعمل ما لا يحصى من العجائب والمعجزات وشهدت له السماء بالآيات، ثم إنه لم يمت كما يموت الآخرون، وذلك لأنه مع كونه إنسانًا، ولد وعاش ومات، لكنه ليس مجرد إنسان، بل هو أعظم بما لا يقاس.

ومن الأهمية بمكان أن نلاحظ أن المسيح عندما مات كان موته موتًا اختياريًا، فنحن لا نسمعه يقول - بصوت متهدج – كما قال الملايين في كل العصور: ها أنا أغيب عن وعيي وأخور، ولا حتى قال كما فعل بعض القديسين قبله: «ها أنا ذاهب في طريق الأرض كلها» (يشوع14: 23؛ 1ملوك2: 2)، بل ما أروع ما نقرأه عندما حانت ساعة الموت: «صرخ بصوت عظيم وأسلم الروح».

قال أحد الأفاضل: ”مَن فينا يذهب ولو إلى النوم، وينام بإرادته كما فعل هو - تبارك اسمه - عندما مات؟ مَن فينا يخلع ملابسه بسهولة ويسر، بمطلق رغبته، كما فعل يسوع عندما خلع جسده؟ من فينا يخرج من باب غرفته عندما يريد، كما فعل سيدنا عندما خرج من هذا العالم وقت أن أراد؟“

ثم ما أعظم هذا التعبير الذي تكرر في الأناجيل الأربعة جميعًا «أسلم الروح». فروحه لم يأخذها أحد منه عنوة، بل كما قال له المجد «أضعها أنا من ذاتي» (يوحنا10: 18). نعم لم تؤخذ روحه منه قهرًا، بل بكامل إرادته واختياره قَبِلَ الموت. وبلغة إشعياء 53: 12 «سكب للموت نفسه».

آيات مصاحبة لموته

يقول الوحي:

«إن يسوع صرخ بصوت عظيم وأسلم الروح. وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل. والأرض تزلزلت والصخور تشققت، والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين. وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جدا وقالوا حقا كان هذا ابن الله».

والعجائب السابقة حدثت من كل اتجاه: من السماء، ومن الأرض، ومن تحت الأرض. وأخيرًا من هيكل الله في أورشليم! ويمكن تقسيمها إلى مجموعتين:

علامات طبيعية

علامات روحية

علامات طبيعية: عودة النور وحدوث الزلزلة

كانت ظلمة الجلجثة خلال الساعات الثلاث الأخيرة للمسيح فوق الصليب، ظلمة معجزية. وبمجرد أن أسلم الرب يسوع الروح، عاد النور من جديد كما كان.

وأما عن الزلزلة فقد كانت زلزلة عظيمة إلى درجة أن الصخور نفسها تشققت. وكما أظلمت شمس الطبيعة وهي ترى ”شمس البر“ متألمًا، فقد ترنحت الصخور عندما مات ”صخر الدهور“.

ومن الجميل أن نتذكر أنه منذ ذلك اليوم وإلى الآن فإن قلوبًا أقسى من الحجر تشققت في توبة حقيقية، وتخلصت من قوة الموت والخطية!

علامات روحية: تفتح القبور وانشقاق حجاب الهيكل

يا لروعة هذه العجيبة. لقد تفتحت القبور التي كانت تضم رفات القديسين، ودخلت في الجثث حياة جديدة! وبعد قيامة ”باكورة الراقدين“، الذي هو ربنا يسوع المسيح، خرج هؤلاء أيضًا من مخادعهم، وظهروا لكثيرين في المدينة المقدسة. ويخبرنا الوحي أن الذين قاموا كانوا كثيرين، وأنهم ظهروا في أورشليم لكثيرين. وهذا معناه أن المسيح بموته كسر شوكة الموت، ووضع الأساس لإبادة ذاك الذي كان ”له سلطان الموت أي إبليس“ (عبرانيين2: 14).

وأما انشقاق الحجاب فنحن نعلم أن قدس الأقداس في هيكل أورشليم كان هو مكان حضور الله الرمزي وسط شعبه. وكان ”الحجاب“ الذي يفصل بين القدس، حيث خدمة الكهنة، وقدس الأقداس حيث مسكن الله الرمزي، تعبيرًا عن عدم السماح للإنسان بالاقتراب من محضر الله. لكن يا للدهشة التي أصابت الكهنة بني هارون عندما انشق الحجاب السميك، دون أن تلمسه يد بشرية، وكأن يد الله هي التي شقته، إذ يوضح الكتاب المقدس أن الحجاب انشق من فوق إلى أسفل!

****

في بداية خدمة المسيح ليعلن الآب جانبًا عن عظمة ذلك الشخص المجيد، فقد شق السماء له (مرقس 1: 10)، والآن ليعلن رضاه عن عظمة عمله الذي عمله، فقد شق حجاب الهيكل!

ويعلق كتبة البشائر على هذا الأمر بالقول: «وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جدًا وقالوا حقا كان هذا ابن الله».

لقد كان قائد المئة - المكلف مع فرقته للقيام بحراسة المصلوبين - وثنيًا، لكنه لما رأى جانبًا من تلك الأعاجيب فقد وقف يتأمل في ذلك المصلوب العجيب. كان شاهد عيان لعملية الصلب، وشده يقينًا مسلك ذلك الشخص الفريد. ورأى الظلمة تكسو المشهد لمدة ساعات ثلاث ثم تنسحب. كما أنه سمع عبارات المسيح السبع التي نطق بها من فوق الصليب، وشاهد الوقار والجلال اللذين كانا له طوال فترة الصلب. ولاحظ كيف دخل إلى الموت بإرادته بعد أن صرخ بصوت عظيم، ثم رأى التلال تترنح والصخور تتشقق. ونحن نعلم أن الزلازل على مر التاريخ كانت من أكثر الظواهر الطبيعية التي ترهب الإنسان وتفزعه. لذلك فإن قائد المئة والذين معه، لما رأوا ذلك كله، فقد خرجت من أرواحهم المرتعدة تلك الصرخة الواضحة والمعبرة: «حقًا كان هذا ابن الله» (متى27: 54؛ مرقس15: 39).

يقول البعض أن كلمة ”ابن الله“ في الأصل اليوناني وردت بدون أداة تعريف، وعليه فإنها لا تعني ابن الله بل ابنًا لله، ولكننا نرد عليهم بمنطقهم فنقول إن هذه العبارة أيضًا وردت خالية من أداة النكرة، فلا يصح ترجمتها ”ابنًا لله“. لكن الأكثر من ذلك فإن قادة الأمة استخدموا التعبير ذاته في يوحنا 19: 7 عندما اشتكوا يسوع أمام بيلاطس أنه جعل نفسه ”ابن الله“، بالمعنى الذي نفهمه نحن. ويعلق البشير على ذلك بالقول إن بيلاطس ازداد خوفًا! كل الفارق أن رؤساء الكهنة قالوها في أسلوب تهكمٍ ورفض، بينما قائد المئة والذين معه قالوها بتصديق: «بالحقيقة كان هذا ابن الله»!

ترى عزيزي القارئ هل تقولها أنت أيضًا؟ ثم بأي أسلوب تقولها؟ إن عبارات قائد المئة والذين معه تعلن لنا نصرة المصلوب. فلا يقدر أحد أن يؤمن بلاهوت المسيح إلا بالروح القدس (1كورنثوس 12: 3). وعلى مر التاريخ كثيرون من ألد أعداء المسيح والمسيحية تغيَّروا في لحظة واحدة، وليس من تفسير لذلك سوى عمل روح الله السري في داخل القلوب. فهل لك نصيب في هذا الإيمان الثمين، ”إيمان مختاري الله“، أيها القارئ العزيز؟

آية قيامته، ثم آيتان مصاحبتان

آية القيامة

بعد حياة القداسة والكمال، والخير والصلاح التي عاشها المسيح فوق الأرض، رفع فوق الأرض بالصليب لكي يموت نيابة عن الخطاة، ولكنه فعل ما هو أكثر من ذلك، إذ ذاق الموت بنعمة الله، ونزل إلى القبر. لقد رُبط المسيح بوثق الموت المتينة وحباله القوية، ودُفِن. فهل استطاعت تلك القيود الباردة أن تمسك به، كما أمسكت قبلاً بكل من قيدتهم؟ الإجابة كلا، فلقد قام المسيح من الأموات ناقضًا أوجاع الموت، مقطعًا حباله، في ذات اليوم الذي كان قد سبق هو وحدده

فالمسيح ليس فقط مات بكامل إرادته، وعندما أراد وكما حدد، بل أيضا قام بكامل إرادته عندما أراد وكما حدد. فلاعجب أن يعلق الرسول بولس على هذه آية قيامته بالقول: «تعيَّن (تبرهن) ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات» (رومية1: 4). فإقامة المسيح لنفسه من بين الأموات من أقوى الأدلة على لاهوته.

ما زال الموت في نظر الكثيرين عدو مخيف، أمامه تنحني كل الجباه، وتصمت كل الأفواه. لذا سُمى في الكتاب المقدس «ملك الأهوال» (أيوب18: 14). لقد «وضع للناس أن يموتوا مرة، ثم بعد ذلك الدينونة» (عبرانيين 9: 27). من ذا الذي يستطيع أن يهزم ذلك الملك الرهيب، العدو الأول للبشرية؟ إنه ليس مجرد إنسان. صحيح هو إنسان، ولكنه أكثر من ذلك بكثير. وإقامته لنفسه من بين الأموات دلت على أنه هو «الله (الذي) ظهر في الجسد».

يقول داود في المزمور: «قدامه يجثو كل من ينحدر إلى التراب، وكل من لم يحي نفسه» (مزمور22: 29). وهي عبارة تنطبق يقينًا على كل بني آدم، فقد يستطيع الإنسان أن يميت نفسه، لكن أين هو الإنسان الذي يقدر أن يحيي نفسه؟ لقد صار الحكم على جميع البشر أجرة للخطية التي ارتكبها آدم في الجنة، فقال له الرب: «لأنك تراب، وإلى تراب تعود» (تكوين3: 19). والعجيب أن المسيح نفسه شاركنا في هذا عندما أتى ليحمل عنا عقوبة الخطية، فيقول في المزمور كحامل الخطايا: «إلى تراب الموت تضعني» (مزمور22: 15). ولكن مع أن المسيح شاركنا في الجزء الأول من الآية، وانحدر إلى التراب، ولكن - لأنه كان مختلفًا عنا – لم يشاركنا في بقية الآية، إذ إنه أقام نفسه من الأموات!

والواقع أن هذا هو منتهى العجب، فالموت هو عين الضعف البشري، وإقامة الميت من قبره هو عين القوة الإلهية، فكيف يجتمع التقيضان معًا في شخص واحد؟ كيف يجتمع منتهى الضعف ومنتهى القوة في الوقت ذاته؟ كيف يلتقي الضعف البشري مع القوة الإلهية في الشخص نفسه؟ الإجابة لأن المسيح مع أنه صار إنسانًا، لكنه لم يكف لحظة عن أن يكون ابن الله الذي ظهر في الجسد.

آيتان مؤيدتان لقيامته

نحن نقرأ أقوال المسيح عن إقامته لنفسه، في آيتين وردتا في إنجيل يوحنا؛ الأولى في بداية خدمته، والثانية قرب ختامها.

الآية الأولى كانت بمناسبة تطهير الهيكل في زيارة الرب الأولى لأورشليم بعد خروجه للخدمة، وكانت ردًا من المسيح على اليهود عند طلبهم منه آية تبرهن أنه ابن الله، فقال لهم: «انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه» (يوحنا2: 19). لقد ظنوا أنه يتحدث عن هيكل هيرودس الذي استغرق بناؤه ستًا وأربعين سنة، وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده. «فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه أنه قال».

والآية الثانية كانت ضمن حديث الرب الشامل مع اليهود بعد أن شفى الرجل المولود أعمى، ووهبه البصر، فكانت النتيجة أن طردوه خارج المجمع. ولقد تحدث الرب عن خرافه ومحبته لها، وكذلك عن محبته للآب، وكان من ضمن ما قاله في هذا الحديث: «لهذا يحبني الآب، لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا. ليس أحد يأخذها (أي نفسي) مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا» (يوحنا10: 17).

آيات الكتاب تشهد عنه

إن المسيح الذي ظهر في أول العهد الجديد هو نفسه مسيح الكتاب المقدس بعهديه. ومع أن التوراة أساسًا كتاب يهودي، واليهود لا يؤمنون بالمسيح، فإنه كما تحدث العهد الجديد بوضوح عن لاهوت المسيح، كذلك فعلت أسفار العهد القديم

وسنكتفي من العهد القديم بآيتين من نبوة إشعياء أول أسفار الأنبياء، التي تحدثنا عن تطلعات القديسين في التدبير السابق؛ ومن العهد الجديد بآيتين من رسالة رومية، أولى الرسائل، التي تحدثنا عن مجمل الحق المسيحي.

الآية الأولى في إشعياء 7: 14 حيث ترد النبوة عن مولد المسيح العذراوي، ولكن ليس فقط عن هذا الميلاد المعجزي بل أيضا عن اسم المولود العجيب.

يقول إشعياء: «وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ» (إشعياء7: 14).

وعندما يقول إشعياء: ”ها العذراء“، فكأنه يتطلع بمنظار النبوة عبر القرون والأجيال الممتدة أمامه، ويقول: ها هي. إني أراه ولكن ليس قريبًا، وأبصره ولكن ليس الآن. وقوله ”العذراء“، فالكلمة هنا تدل بحسب الأصل العبري أنه كان يقصد عذراء بذاتها، وليس أي عذراء في إسرائيل، حيث ترد في الأصل معرفة وليس نكرة. هذه العذراء المقصودة بذاتها ستحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل.

والآن، ماذا يعني هذا الاسم ”عمانوئيل“؟

إنه يعني ”الله معنا“.

وللتأكيد على هذا المعنى، وأن هذا ليس مجرد اسم لشخص عادي يدعى عمانوئيل، كما قد يحدث في أيامنا، ولا هو ابن النبي إشعياء كمما ادعى البعض، فإن الأصحاح التالي تحدث عن أرض الرب التي سيغزوها ملك أشور. وفيه يقول النبي، كأنه يستغيث بالمولى صارخًا: «يكون بسط جناحيه ملء عرض بلادك يا عمانوئيل» (إشعياء8: 8).

إذا فعمانوئيل ليس أحد آخر غير المسيا، الذي الأرض أرضه، والذي «إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله» (يوحنا1: 11). عمانوئيل هو صاحب الأرض، عمانوئيل هو يهوه الذي يملك الأرض. و”يهوه“ هو مولود العذراء!

أن تحبل العذراء، هذا منتهى العجب! لكن كون الطفل المولود هو ”عمانوئيل“، الله معنا. فهذه آية أروع من أن العذراء تحبل، وكانت هذه الطريقة المعجزية في الميلاد، تليق بمقدم «الكائن على الكل الله المبارك إلى الأبد» (رومية9: 5).

والآية الثانية وردت في إشعياء 9 حيث يقدم النبي اسمًا خماسيًا للمسيا فيقول:

«لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا وتكون الرياسة على كتفه. ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام» (إشعياء9: 6).

هنا نقرأ عن ناسوت المسيح عندما يقول النبي: «لأنه يولد لنا ولد». فالذي ولد هو الإنسان، ولكنه أيضا يحدثنا عن لاهوته عندما يقول: «نعطى ابنًا»، فهو كابن الإنسان ولد، وكابن الله أعطي لنا! من ثم يذكر هذا الاسم الخماسي للمسيح، وهذه الخماسية كلها تدل على عظمته وسموه.

ويدعى اسمه عجيبًا“. ولعل وجه العجب حقًا أنه يجمع في نفسه صفات اللاهوت كلها وصفات الناسوت كلها. كيف؟ هذا سر يفوق العقول. «وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد» (1تيموثاوس3: 16).

”مشيرًا“: وهي صفة من صفات اللاهوت التي تحدث عنها إرميا إذ أشار إلى الرب بالقول «عظيم في المشورة، وقادر في العمل» (إرميا 32: 19).

”إلهًا قديرًا“وبالعبري ”إيل جيبور“: وإيل هنا هو المقطع الأخير من ”عمانوئيل“.وأما اسم ”إيل جيبور“، فهو عينه الاسم الذي ورد في إشعياء10: 21 وترجم هناك ”الله القدير“. نعم إن أحد أسماء المسيح هو ”الله القدير“. إنه هو الذي يرد عنه في الرسالة إلى العبرانيين 1: 3 أنه «ابنه.. وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته». ما أعظم ما تعنيه هذه الكلمة الصغيرة: ”كل الأشياء“! ما لا يحصى من المجرات والنجوم يحملها المسيح بكلمة قدرته! إنه هو الذي يحمل الفلك!

«أبًا أبديًا» أو بكلمات أخرى ”أبو الأبدية“. بمعنى منشئ الأبدية. فهو مصدر الزمن، هو قبل الزمن وبعده أيضًا.

«رئيس السلام»: هنا نجد التأثير العجيب لحضوره، فهو يأتي بالسلام!

ثم لننتقل إلى آيتين في العهد الجديد، في رسالة رومية:

الآية الأولى:

«الله بيَّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا» (رومية 5: 8).

آية عظيمة تحدثنا عن محبة الله من نحونا. وماذا كان تعبير تلك المحبة؟ يقول الرسول: «مات المسيح لأجلنا». فموت المسيح إذًا هو مقياس محبة الله! بعبارة أخرى: المسيح هو نفسه الله.

والآن تفكر عزيزي القارئ في هذا الأمر السامي العجيب: أ يمكن أن تتصور أن الله يحبك؟ يحبك أنت. وإلى أي درجة هو يحبك؟ إلى الدرجة التي فيها يضحي بابنه الوحيد لأجلك؟

ترى ما هو صدى هذه المحبة في نفسك؟ أ لعلك تتجاوب معها بالإيمان؟ ليتك تفعل ذلك الآن.

الآية الثانية:

«المسيح.. الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد» (رومية 9: 5)

ومع أن الرسول في هذه الآية يؤكد على ناسوت المسيح إذ يقول إنه أتى من إسرائيل حسب الجسد، ولكنه يوضح أنه هو «الكائن على الكل (الله) المبارك إلى الأبد». إنها الأحجية عينها، فهو أتي منهم (بحسب الجسد)، وأما بلاهوته فهم منه، وهو فوق الكل. تمامًا كما قال إنه ذرية داود، كما أنه أصله! (رؤيا22: 16)، وهو ابن داود وفي الوقت نفسه هو ربه! (مزمور 110: 1)، وهو يخرج من يسى من جهة الجسد، وهو ”أصل يسى“ بلاهوته! (إشعياء11: 1، 10).

يقال عن المسيح هنا إنه الله، تمامًا كما قيل عنه ”الله العظيم“ (تيطس 2: 13)، و ”الله القدير“ (إشعياء9: 6)، و ”الله الحقيقي“ (يوحنا الأولى 5: 20)، و ”الله معنا“ (متى 1: 23). له كل المجد.

(5)

المسيح قَبِلَ السجود

لم يطلب المسيح - لما كان هنا على الأرض - من أحد أن يسجد له، فهو الذي أخلى نفسه بمحض اختياره، آخذًا صورة عبد، وهو الوديع الذي لم يكن يحاول أن يلفت الأنظار إلى نفسه؛ بل عندما أراد الأشرار، سواء في اليهودية أو الجليل، قتله، ترك المكان واجتاز في وسطهم ومضى (متى 12: 14، 15؛ يوحنا8: 59)، وعندما رفضوا قبوله في قرية للسامريين واقترح عليه تلاميذه إبادة تلك القرية، انتهرهما قائلاً: «لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلص» (لوقا9: 55، 56). نعم إنه لم يفعل مثل إيليا: يأمر بنزول نار السماء لتأكل أعداءه (2ملوك1: 10، 12)، ولا مثل موسى الذي دعا أن تفتح الأرض فاها لتبتلع مقاوميه (عدد16: 28-30)!

كلا، إن المسيح لم يطلب من الناس السجود له، ولكن الآب قال ذلك، والروح القدس قاد إلى ذلك، وهو – تبارك اسمه - قبل ذلك!

وسنقسم حديثنا في هذا الفصل إلى أربعة أفكار هامة تقود كلها إلى النتيجة ذاتها، أن المسيح هو الله:

o أن المسيح هو موضوع سجود جميع الخلائق، ونحن نعلم أن السجود لا يليق إلا بالله وحده لا سواه.

o والمسيح هو موضوع التمجيد، ولقد قال الله: «مجدي لا أعطيه لآخر» (إشعياء 42: 8).

o والمسيح هو موضوع اتكال شعبه. ويعلمنا الكتاب إنه ملعون من يتكل على المخلوق دون الله,

o وإليه تُرفع صلوات المؤمنين والأتقياء. ولا يقدر أن يسمع الصلوات ويستجيبها إلا لله.

أولاً: المسيح موضوع سجود جميع الخلائق

نحن نقرأ في الأناجيل عن مناسبات كثيرة فيها قَبِل المسيح - لما كان هنا على الأرض - سجود البشر.

والمسيح، بحسب إنجيل متى وحده، قبل السجود في ثماني مناسبات مختلفة. من يهود وأمم، من رجال ونساء، من فرادى وجماعات، قبل الصليب وبعد القيامة.

فلقد سجد له المجوس كما أشرنا في الفصل السابق، ونحن نتحدث عن الآيات التي صاحبت مولده. ولم يكن ما فعله المجوس هنا زلة منهم، باعتيار أنه لم يكن عندهم شريعة ولا ناموس، فيلفت النظر أن المجوس، حين رأوا هيرودس الملك مع كل مظاهر السلطان والجاه التي كانت محيطة به، لم يسجدوا له. لكنهم حين رأوا المسيح، أمكنهم من خلال حجاب الاتضاع وستار الفقر، أن يروا مجده.

وهؤلاء المجوس يذكروننا بحادثة أخرى في آخر حياة المسيح على الأرض، وبالتحديد حين كان معلقًا فوق الصليب، حين قال اللص التائب للمسيح: «اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك» (لوقا23: 42). لقد رأى فيه اللص أنه الملك وهو معلق فوق الصليب، ورأى فيه المجوس أنه ملك اليهود وهو مازال طفلاً. في بداية المسار سجد له هؤلاء المجوس باعتباره الله، وفي نهاية المسار صلى إليه اللص التائب باعتباره الرب!

ولنلاحظ دقة الوحي هنا في وصف سجودهم، فيقول: «وأتوا إلى البيت، ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخروا وسجدوا له. ثم فتحوا له كنوزهم» (متى2: 11). وتعبير ”الصبي وأمه“ يتكرر 5 مرات، ولا مرة يقول الأم وطفلها. فهو وُلد ليكون الأول. إذ يقول الرسول عنه: «لكي يكون هو متقدمًا في كل شيء» (كولوسي1: 18). وواضح من كلام البشير أن المجوس «خروا وسجدوا (ليس لهم) بل له» فالسجود له وحده.

ويا له من إيمان عظيم، اخترق ما تراه العين البشرية، ليرى ما لا يمكن لغير الإيمان أن يراه! يرى في الطفل الصغير ملك المجد، ورب الكون، فيسجد له! ويرى في المصلوب ملك الوجود ومخلص البشرية، فيصلي له. وأريد أن أقول إننا اليوم عندنا من الأدلة أضعاف ما كان عند المجوس قديمًا، أو اللص التائب من بعدهم؟ فهل نعمل مثلما عمل المجوس فنسجد له سجود الحب؟ وهل نتكل عليه اتكال القلب، ويكون لنا الإيمان الذي يخلِّص؟!

ثم نقرأ مرة ثانية على السجود للمسيح من الأبرص الذي طهره المسيح وشفاه. لقد وثق هذا الأبرص في قدرة المسيح على شفائه، ولا يوجد من يشفي من البرص غير الله. ولهذا فإن هذا الرجل أول ما جاء للمسيح سجد له قبل أن يطلب منه أي شيء. وسجود الأبرص للمسيح، وقبول المسيح هذا السجود منه، له دلالة هامة. ففي أصحاح4، قبل موعظة الجبل مباشرة، رفض المسيح في التجربة تقديم السجود للشيطان، الذي وعده أن يعطيه في المقابل كل ممالك العالم. والمسيح رفض السجود لليطان ليس لأنه شيطان، بل «لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد» (متى4: 10)؛ وفي هذا الأصحاح، وبعد الموعظة مباشرة، قبل هو نفسه السجود من هذا الرجل الأبرص. أ ليس لهذا مدلول هام؟

ثم نقرأ في متى 9 عن رئيس مجمع اليهود، كيف أتى ليسوع وسجد له، وطلب منه أن يأتي معه ليقيم ابنته من الموت، وهو ما حدث فعلاً. ومن ذا الذي يقيم الموتى إلا الله وحده؟ فلا عجب أن يسجد رئيس المجمع له.

ثم نقرأ في متى 14: 32و33 أن «الذين في السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين بالحقيقة أنت ابن الله». قالوا ذلك بعد أن شاهدوا، لا معجزة واحدة، بل أربع معجزات عجيبة، لا يقدر على فعل واحدة منها سوى الله، ولقد سبق أن تأملنا فيها في الفصل الثاني ”أعمال المسيح قالت“.

ومرة خامسة قبل المسيح السجود من المرأة الكنعانية في متى 15: 25 ولقد أثبت المسيح لاهوته، عندما أثبت أنه الأقوى من الشيطان القوي، وليس أقوى من الشيطان سوى من خلقه (قارن مع كولوسي 1: 16). ولقد أمكن للرب له المجد أن يخرج الشيطان من ابنة هذه المرأة بكلمة واحدة قالها، رغم أنه كان بعيدًا عن الفتاة المسكونة بالشيطان، وذلك لأنه هو الله الذي لا يتحيز بحدود المكان أو الزمان.

ومرة سادسة قبل المسيح السجود من أم ابني زبدي، إذ أتت وسجدت له قبل أن تقدم طلبها له في متى 20: 20

ثم نقرأ بعد قيامة المسيح من الأموات عن مناسبتين فيهما قدم التلاميذ سجودهم للمسيح. فيقول متى البشير عن المرأتين اللتين ذهبتا إلى القبر في صباح يوم القيامة: «فتقدمتا وأمسكتا بقدميه، وسجدتا له». فالمرأتان لم تقولا كلمة واحدة، لأن سجودهما له أعفاهما عن الكلام. لقد أمسكتا بقدمي يسوع وبهذا أظهرتا له الاعتبار العظيم مع المحبة الشديدة له. وفي مقابل ذلك نالتا برهانًا جديدًا على أن ما رأتاه لم يكن وهمًا ولا خيالاً، بل كان جسد يسوع المقام فعلاً.

والتلاميذ إن كان قد سبق لهم السجود للمسيح قبل الصليب، أما الآن، فبعد قيامته من الأموات، صار لسجودهم مذاق جديد. لكأن هاتين المرأتين قالتا، في قلبيهما، بلغة بني قورح: «لأنه هو سيدك، فاسجدي له» (مزمور45: 11).

والمرة الأخيرة عندما نقرأ عن ظهور المسيح لعدد كبير من التلاميذ، ويقول البشير: «ولما رأوه سجدوا له، ولكن بعضهم شكوا» (متى 28: 17). هذه هي المرة الثامنة في الإنجيل التي فيها يقدم السجود للمسيح من المؤمنين به، والمرة الثانية بعد قيامته له المجد من الأموات. وسوف نعود لهذا الأمر بعد قليل.

وإنجيل يوحنا يتضمن مناسبة واحدة قُدِّم فيها السجود للمسيح، لكن هذه الحادثة لها جمالها الأخاذ، وأعني بها تلك المرة التي سجد فيها الرجل الذي كان أعمى فأعطاه الرب نعمة البصر، بحسب إنجيل يوحنا 9. والحقيقة إن ما عمله المسيح مع هذا الرجل، يعتبر أحد الأدلة على لاهوت المسيح، وهو موضوع إنجيل يوحنا الرئيس. فالله خلق الإنسان في البداية من الطين (انظر أيوب33: 6)، وها المسيح، بوضعه الطين على عيني الأعمى، كأنه يكمل ما نقص من خلقة ذلك الرجل!

إذًا فلقد كان عمانوئيل، الرب الشافي، وسطهم، وسبق له أن فتح أعين عميان كثيرين، لكن كانت الأمة كلها بالأسف في حالة العمى الروحي فلم تبصر شافيها ولا فاديها الذي أتى لنجدتهم. على العكس من ذلك، كان إدراك الرجل الذي كان أعمى فأبصر يزداد: فأولاً عرف أنه ”إنسان يقال له يسوع“ (ع 11)؛ ثم سرعان ما نما في النعمة والمعرفة، وأدرك أنه ”نبي“ (ع 17)؛ ثم أدرك ثالثًا أنه ”من الله“ (ع33). على أن معرفة المسيح أنه ”ابن الله“ كان يستلزم إعلانًا مباشرًا من المسيح، وهو ما فعله المسيح معه فعلاً، إذ وجد الإخلاص متوفرًا.

وعندما تمسّك ذلك الرجل بالولاء للمسيح فقد طرده اليهود خارج المجمع، جردوه من انتسابه الوطني، واعتبروه كجسم غريب فلفظوه، وهو عين ما يحدث مع الكثيرين حتى يومنا هذا. على أن المسيح التقاه في الخارج وسأله: «أ تؤمن بابن الله؟ أجابه ذاك: من هو يا سيد لأومن به؟ قال له يسوع: قد رأيته، والذي يتكلم معك هو هو. فقال: أومن يا سيد. وسجد له» (ع35-38).

لقد خسر صاحبنا مكانًا يمكنه أن يقترب فيه، لكي يسجد سجودًا طقسيًا، لكنه وجد شخصًا يمكنه عنده أن يسجد السجود الحقيقي. ونلاحظ أن ذلك الرجل لم يسجد أمام ”إنسان يقال له يسوع“، كما أنه لنبي أيضًا لم يسجد، ولكن لما عرف أن المسيح هو ابن الله فقد سجد له!

ذكرنا أن التلاميذ ليس فقط قبل الصليب، بل أيضًا بعد القيامة من الأموات سجدوا للمسيح. ونلاحظ أن المسيح بحسب مرقس 16: 14 وبخ عدم إيمان تلاميذه، لكننا لا نقرأ في أي مكان أنه وبخهم على سجودهم له. كما أنه وبخ توما على عدم إيمانه بقيامته (بحسب يوحنا 20: 27)، ولكن لما قال له توما: ”ربي وإلهي“ وهي الألقاب التي لا ينبغي أن تقال سوى لله، فإن المسيح لم يوبخه على تجديف قاله، بل قبل منه اللقبين، فهو فعلا ربه وإلهه، بل هو ربنا وإلهنا، كما يشهد عنه ”كل الكتاب“.

ثم بعد الأناجيل تأتي الرسائل وسفر الرؤيا لتواصل الحديث عن ذلك المجد الذي يخص الله دون سواه، فتحدثنا إنه لا بد أن يأتي اليوم الذي فيه كل الخلائق، بشرية كانت أم ملائكية، أم جهنمية، ستسجد له. فيخبرنا كاتب العبرانيين أنه سيأتي اليوم عن قريب الذي فيه ستجثو للمسيح كل الملائكة. فهذا هو كلام الوحي الصريح في افتتاحية الرسالة: «عند دخول البكر إلى العالم (مرة ثانية) يقول ولتسجد له كل ملائكة الله» (عبرانيين 1: 6). وهذه الآية مقتبسة من مزمور 97: 1و7 حيث ترد هناك عن الرب (يهوه) الملك، فيقول: «الرب قد ملك.. اسجدوا له يا جميع الآلهة». فيقتبسها كاتب العبرانيين مطبقًا إياها على المسيح ابن الله.

لكن ليس الملائكة فقط، بل كما يقول الرسول بولس إنه سوف: «تجثو باسم يسوع كل ركبة من في السماء، ومن على الأرض، ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب» (فيلبي2: 10و11).

وحسن أن نعلم أن الآية الأخيرة اقتبسها الرسول بولس من نبوة إشعياء حيث يقول الرب: «أنا الله وليس آخر. بذاتي أقسمت، خرج من فمي الصدق، كلمة لا ترجع، إنه لي تجثو كل ركبة، يحلف كل لسان (إشعياء 45: 22و23). المتكلم بحسب إشعياء هو الله، ويؤكد أنه له ستجثو كل ركبة، فيقتبسها الرسول بولس مطبقًا إياها على الرب يسوع المسيح، مما يبرهن على أمرين: أولهما أن المسيح هو الله، وثانيهما أنه لن يفلت أحد من السجود لابن الله!

والآن ما المدلول الذي نخرج به من أن المسيح قبل السجود مرات عديدة، وأنه سيأتي الوقت عن قريب وسيجثو له الجميع. الإجابة الوحيدة المنطقية على ذلك، باعتبار أن السجود هو مجد خاص بالله وحده، ولا ينبغي إطلاقًا أن نقدمه للمخلوق مهما كان، أن المسيح هو الله. في العهد القديم قال الله: «مجدي لا أعطيه لآخر». ولذلك فإن كل الأمناء رفضوا مطلقًا أن يقدم السجود لهم، فالرسول بطرس رفض سجود كرنيليوس له، قائلا: ”أنا أيضًا إنسان“ (أعمال10: 25و26)، والرسولان بولس وبرنابا رفضا تقديم الذبائح لهما، لأنهما بشر تحت الآلام نظير من كانوا يريدون أن يذبحوا لهما (أعمال14: 13-15)، والملاك رفض سجود يوحنا في جزيرة بطمس لأنه أيضًا عبد (رؤيا19: 9و10؛ 22: 8و9).

وفي مفارقة مع كل هؤلاء قبل المسيح السجود، لأنه هو الرب، وهو الله.

ثانيًا: المسيح هو موضوع الإكرام والتمجيد في الأرض وفي السماء:

عندما تحدثت المرأة السامرية مع الرب يسوع عن السجود، حدثها عن السجود الحقيقي للآب بالروح والحق. فماذا عن الابن؟ هل يقدم المؤمنون السجود له أيضًا؟ الإجابة نجدها في الأصحاح التالي، عندما قال المسيح لليهود: «لكي يُكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب. من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله» (يوحنا5: 23).

ولذلك فلا عجب أن نجد سجود المفديين في السماء موجه إلى الآب والابن، أو بلغة الكتاب للجالس على العرش وللحمل (رؤيا5: 13). وسوف نعود بعد قليل لهذه النقطة.

وبعد القيامة ظهر الرب للتلاميذ وهم مجتمعين، على نحو ما يخبرنا به البشير يوحنا. ظهر لهم في المرة الأولى، ولم يكن توما الرسول معهم. فلما أخبره زملاؤه الرسل بأن المسيح قام من الأموات، وأنهم رأوه، قَالَ لَهُمْ: «إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ لاَ أُومِنْ» (يوحنا20: 25). ويستطرد البشير قائلا: «وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تلاَمِيذُهُ أَيْضاً دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ وَوَقَفَ فِي الْوَسَطِ وَقَالَ: «سلاَمٌ لَكُمْ». واتجه الرب فورًا إلى توما بالقول: «هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً». أَجَابَ تُومَا وقال له: ”رَبِّي وَإِلَهِي“. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا».

بعض المزوِّرين، ليتحاشوا هذا الكلام الصريح الذي فيه قال واحد من التلاميذ للمسيح إنه ربه وإلهه، قالوا إن توما وقد أخذ بالمفاجأة، كيف عرف المسيح ما قاله، رغم عدم وجود المسيح معهم عندما نطق بهذه الكلمات، فإنه هتف قائلا: ”يا إلهي“، كما تفعل نحن أحيانا عندما نقابل شيئًا مدهشًا وعجيبًا!

وللرد على ذلك نقول أولاً إن معرفة المسيح لما حصل، رغم عدم وجوده مع التلاميذ، يؤكد لنا أنه هو الحاضر الغائب، الذي لا تراه عيوننا لكنه هو يرانا ويسمعنا. وهذه واحدة من صفات اللاهوت لا يشاركه فيه سواه.

وثانيًا: كان اليهود يتحاشون تمامًا استخدام اسم الجلالة في نطقهم العادي، فهم ليسوا نظيرنا الآن ينطقون باسم الله في كل مناسبة وفي غير مناسبة، بل إذ كانوا يوقرون اسم الله كانوا يستبدلونه ما أمكنهم بغيره من المسميات، مثل تعبير ”ملكوت السماوات“ بدلاً من التعبير ”ملكوت الله“، والقول ”أخطأت إلى السماء“ بدلاً من ”أخطأت إلى الله“ (لوقا15: 18)، وأيضًا قولهم للمسيح: ”هل أنت ابن المبارك“؟ بدلاً من قولهم: ”هل أنت ابن الله؟“، وهكذا. ومع أننا كثيرًا ما نستعمل التعبير يا إلهي اليوم للتعبير عن الدهشة، لكن لا يوجد أدنى دليل تاريخي على الإطلاق في أن اليهود كانوا معتادين على استخدام هذا اللفظ كتعبير عن التعجب.

وثالثًا: النص لا يدعنا نذهب إلى هذا الاستنتاج مطلقًا، فالنص يقول: «أجاب توما وقال له: ربي وإلهي». فليس أن توما قال ربي وإلهي، بل ”قال له“، أي قال هذا للمسيح.

وليس توما وحده الذي اعتبر أن الرب يسوع ربه وأنه هو عبده، بل جميع الرسل، فيقول بولس: «بولس عبد ليسوع المسيح» (رومية 1: 1)، ويقول أيضًا: «بولس وتموثاوس عبدا يسوع المسيح» (فيلبي1: 1). والرسول يعقوب يكتب قائلاً: يعقوب عبد الله والرب يسوع المسيح» (يعقوب1: 1). وكذلك فعل الرسول بطرس إذ كتب يقول: «سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله» (2بطرس1: 1). وكذلك أيضًا يهوذا إذ كتب قائلاً: «يهوذا عبد يسوع المسيح» (يهوذا 1). وكما فعل الرسل هكذا فعل باقي المؤمنين، فنقرأ عن أبفراس: «يسلم عليكم أبفراس الذي هو منكم، عبد للمسيح، مجاهد كل حين لأجلكم بالصلوات» (كولوسي4: 12). وقيل عن باقي المؤمنين: «لأن من دعي في الرب وهو عبد فهو عتيق الرب، كذلك أيضًا الحر المدعو هو عبد للمسيح. قد اشتريتم بثمن، فلا تصيروا عبيدًا للناس» (1كورنثوس7: 22، 23). والعبارة الأخيرة تؤكد لنا أن المسيح ليس واحدًا من الناس.

المسيح موضوع الحب والتسبيح:

إن كل المؤمنين يحبون المسيح. كيف لا وهو قد أحبنا أولاً (1يوحنا4: 19). ولهذا الأمر، الذي قد لا يفكر فيه الكثيرون، أهمية قصوى. وتَرِد في الوحي آيتان في منتهى الأهمية، إذا وضعناهما جنبًا إلى جنب، يتضح لنا المعنى الهام المتضمن فيهما. يقول الرسول: «النعمة مع جميع الذين يحبون ربنا يسوع المسيح في عدم فساد» (أفسس6: 24)؛ بينما يقول «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا (وهي كلمة أرامية تعني محرومًا من البركة وملعونًا)» (1كورنثوس 16: 22). هكذا إلى هذا الحد! المحبة له تجلب كل البركات، وعدم المحبة له (ولا يقول البغضة له)، تحرم من كل بركة، بل وتجلب اللعنة!

المسيح موضوع تمجيد شعبه

وعن تمجيد الرب يسوع نقرأ قول الرسول: «لِكَيْ يَتَمَجَّدَ اسْمُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِيكُمْ، وَأَنْتُمْ فِيهِ، بِنِعْمَةِ إِلَهِنَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (2تسالونيكي 1: 12).

وفي سفر الرؤيا نقرأ عن مناسبات كثيرة فيها يقدم التمجيد للمسيح.

فيقول الرائي عن المسيح: «له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين» (رؤيا1: 6).

ويقول أيضًا: «وَلَمَّا أَخَذَ السِّفْرَ خَرَّتِ الأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخاً أَمَامَ الْحَمَلِ، وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُوراً هِيَ صَلَوَاتُ الْقِدِّيسِينَ. وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: «مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا لِلَّهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لِإِلَهِنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ» (رؤيا 5: 8-10).

وليس المفديين وحدهم بل الملائكة جميعهم أيضًا، وكذلك كل الخليقة ستتحد في تسبيح المسيح فيقول الرائي: «وَنَظَرْتُ وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلاَئِكَةٍ كَثِيرِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالشُّيُوخِ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ رَبَوَاتِ رَبَوَاتٍ وَأُلُوفَ أُلُوفٍ، قَائِلِينَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْحَمَلُ الْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ وَالْبَرَكَةَ». وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ وَتَحْتَ الأَرْضِ، وَمَا عَلَى الْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: «لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ الْبَرَكَةُ وَالْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» (رؤيا5: 11-13). والعبارة الأخيرة تعني أن التسبيح ذاته الذي يُقدَّم للجالس على العرش (أي الله) هو الذي يقدم للحمل (أي المسيح). فكيف يمكن أن يكون هذا إن لم يكن المسيح هو الله؟

ومرة أخرى نقرأ في رؤيا 7: 10 -17 «وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: «الْخَلاَصُ لإِلَهِنَا الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ». وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ كَانُوا وَاقِفِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ وَالشُّيُوخِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ، وَخَرُّوا أَمَامَ الْعَرْشِ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا لِلَّهِ قَائِلِينَ: «آمِينَ! الْبَرَكَةُ وَالْمَجْدُ وَالْحِكْمَةُ وَالشُّكْرُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالْقُوَّةُ لإِلَهِنَا إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ» وَسَأَلَنِي وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ: «هَؤُلاَءِ الْمُتَسَرْبِلُونَ بِالثِّيَابِ الْبِيضِ، مَنْ هُمْ وَمِنْ أَيْنَ أَتُوا؟» فَقُلْتُ لَهُ: «يَا سَيِّدُ أَنْتَ تَعْلَمُ». فَقَالَ لِي: «هَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَتُوا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوهَا فِي دَمِ الْحَمَلِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ هُمْ أَمَامَ عَرْشِ اللهِ وَيَخْدِمُونَهُ نَهَاراً وَلَيْلاً فِي هَيْكَلِهِ، وَالْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ. لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ وَلَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ وَلاَ تَقَعُ عَلَيْهِمِ الشَّمْسُ وَلاَ شَيْءٌ مِنَ الْحَرِّ، لأَنَّ الْحَمَلَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ، وَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ».

نلاحظ في النص السابق أن العدد العاشر يذكر أن العرش هو عرش الله، إذ يقول في ع10 ”إلهنا الجالس على العرش“، لكن في ع17 يذكر أن الحمل هو الذي ”في وسط العرش“. مما يدل على أن المسيح (الحمل) ليس شخصًا آخر بخلاف الله.

وعن هذا الأمر أيضًا، نقرأ قول الرائي: «وَأَرَانِي نَهْراً صَافِياً مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ لاَمِعاً كَبَلُّورٍ خَارِجاً مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْحَمَلِ» (رؤ22: 1). لاحظ أنه لا يوجد في السماء عرشان، بل عرش واحد، وهذا أمر مفهوم جيدا لكل إنسان عاقل يؤمن بوجود الله. وطبعًا لا يجلس على العرش الواحد شخصان مختلفان، بل شخص واحد، لأن الله واحد. وهو ما قاله المسيح لليهود «أنا والآب واحد» (يوحنا10: 30).

ونقرأ أيضًا: «وَعَرْشُ اللهِ وَالْحَمَلِ يَكُونُ فِيهَا، وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ» (رؤيا22: 3). ونلاحظ في الآية الأخيرة أنه لا يقول يخدمونهما، بل يخدمونه. قواعد اللغة ترجع الضمير إلى آخر اسم في الجملة، فإذا اتبعنا قواعد اللغة، فإن الخدمة تكون منسوبة للحمل، وفي هذه الحالة يكون ”الحمل“، أي الرب يسوع المسيح هو هدف العبادة، مما يدل على أنه الله، لأنه «للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد (أي تخدم)» (متى4: 6). ولكن الفهم الروحي يعيد الضمير في الجملة إلى ”الله والحمل“، وذلك لسبب بسيط قاله المسيح وذكرناه قبلا: «أنا والآب واحد». وفي الحالتين نصل إلى النتيجة نفسها أن المسيح هو الله؟

وأيضا نقرأ: «وَلَمْ أَرَ فِيهَا (أي في المدينة السماوية) هَيْكَلاً، لأَنَّ الرَّبَّ اللهَ الْقَادِرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ هُوَ وَالْحَمَلُ هَيْكَلُهَا» (رؤيا21: 22)، ولا يقول إنهما هيكلاها، ومرة أخرى نقول إن هذا يدل على وحدة الجوهر بين الآب والابن، لأن الآب والابن واحد (يوحنا10: 30).

ثالثًا: هو موضوع إيمان شعبه واتكالهم.

قال الرب لتلاميذه في العلية في ليلة آلامه: «أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بى» (يوحنا14: 1). لاحظ أن الرب لم يقل أنتم تؤمنون بالله، وأطلب منكم أن تؤمنوا بي أيضًا، كما لو كان هناك شخصان يجب أن نؤمن بهما، أو أن إيماننا المسيحى مبني على أمرين متميزين. كلا، بل «أنتم تؤمنون بالله، فآمنوا بي*». أ لا يعني هذا بكل وضوح أنه هو الله ؟!

ونلاحظ أن سجان فيلبي عندما سأل بولس وسيلا عما ينبغي أن يفعل لكي يخلص، أجاباه قائلين: «آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك» (أعمال 16: 30، 31). ما أعظم هذا! مجرد الإيمان بالرب يسوع المسيح يأتي بالخلاص للشخص، ولأهل بيته. لكن التعليق الذي يكتبه لوقا الطبيب الحبيب لافت للنظر، إذ يقول عن السجان: «وتهلل مع جميع أهل بيته، إذ كان قد آمن بالله» (أعمال 16: 34). ومن هذا أيضًا يتضح لنا أن المسيح هو الله.

وما أكثر البركات التي تصير لنا عندما نؤمن بالمسيح ربًا ومخلصًا؟ يقول الرسول بطرس: «له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا» (أعمال 10: 43). مرة أخرى نقول: ما أعجب هذا! مجرد الإيمان بالرب يسوع يمتع النفس بغفران جميع الخطايا، وهذه هي شهادة، لا واحد من الأنبياء ولا مجموعة منهم، بل جميع الأنبياء!

وإن كان الرسول بطرس ذكر هنا أن غفران الخطايا يناله المؤمن ”باسمه“، إلا أننا من باقي أجزاء الوحي نعرف أن في هذا الاسم الكريم، اسم ربنا يسوع المسيح، ينال المؤمن العديد من البركات:

1- غفران الخطايا: «كتبت إليكم أيها الأولاد لأنه قد غفرت لكم الخطايا من أجل اسمه (اسم المسيح)» (1يوحنا 2: 12).

2- الخلاص: «لأن ليس اسم آخر (خلاف اسم المسيح) تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص» (أعمال 4: 12).

3- الحياة الأبدية: «آيات أخر كثيرة عملها يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب، وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه» (يوحنا 20: 31).

4- يهب الشفاء، وتجرى به القوات: «فقال بطرس (للرجل الأعرج) .. باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش .. ففي الحال تشددت رجلاه وكعباه .. وصار يمشي» (أعمال3: 6-8). ويعلق الرسول بطرس على ذلك بالقول: «بالإيمان باسمه (يسوع) شدد اسمه هذا الذي تنظرونه وتعرفونه.. أعطاه الصحة أمام جميعكم» (أعمال3: 16). وفي صلاة التلاميذ قالوا لله: «بِمَدِّ يَدِكَ لِلشِّفَاءِ وَلْتُجْرَ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ بِاسْمِ فَتَاكَ الْقُدُّوسِ يَسُوعَ» (أعمال4: 30).

5- يهب النعمة: «يسوع المسيح ربنا، الذي به، لأجل اسمه، قبلنا نعمة ورسالة لإطاعة الإيمان» (رومية 1: 4و5).

6- وإلى هذا الاسم الكريم يجتمع القديسون. قال المسيح: «لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم» (متى 18: 20).

7- وبهذا الاسم الكريم يرفع المؤمنون صلواتهم، فيستجيب الآب لهم: فيقول المسيح: «وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذَلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالاِبْنِ. إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئاً بِاسْمِي فَإِنِّي أَفْعَلُهُ» (يوحنا14: 13و14). وأيضًا: «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ الآبِ بِاسْمِي يُعْطِيكُمْ. إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئاً بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً» (يوحنا16: 23و24).

لو كان المسيح مجرد إنسان، أ كان يمكن أن ترتبط باسمه كل هذه البركات العظمى والثمينة؟

والمسيح هو موضوع إيمان شعبه واتكالهم، ونعلم أنه لا يمكن أن يكون مجرد إنسان هو موضوع إيمان وأساس اتكال جماهير المؤمنين، فهذا مجد يخص الله وحده فقط. ويعلمنا الكتاب أنه «ملعون من يتكل على ذراع بشر» (إرميا17: 5)، وأيضًا «لا تتكلوا على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده» (مزمور146: 3). لكن من الجانب الآخر يقول: «مبارك الرجل الذي يتكل على الرب (يهوه)، وكان الرب متكله» (إرميا 17: 7). إذًا فبينما يمنع الوحي الكريم وضع الثقة في البشر، فإنه يحرضنا على وضع الثقة كلها في الله. ويؤكد الوحي بالوضوح عينه أن الإيمان بابن الله له بركات كثيرة، فيقول داود في المزمور الثاني: «قبلوا الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق، لأنه عن قليل يتقد غضبه. طوبى لجميع المتكلين عليه» (مزمور2: 12). ويقول النبي إشعياء: «هأنذا أوسس في صهيون حجرًا، حجر امتحان، حجر زاوية كريمًا أساسًا مؤسسًا، من آمن لا يهرب» (إشعياء28: 16)، فيقتبسها الرسول بطرس مطبقًا إياها على المسيح إذ يقول: «الذي يؤمن به لن يخزى» (1بطرس2: 6).

ولذلك، وبالنظر إلى كل ما سبق، لا عجب إطلاقًا أن قال الرسول بولس: «أرجو في الرب يسوع.. وأثق بالرب» (فيلبي2: 19، 24).

رابعًا: إليه تُرفع الصلوات، وهو يستجيبها

نلاحظ أن الكتاب المقدس يحذرنا من أن نتقدم بصلواتنا إلى أي مخلوق، سواء كان قديسًا من البشر أو الملائكة. ومع ذلك سنجد الآن أن الكتاب المقدس يعلمنا أن نرفع صلواتنا للمسيح، وأنه هو الذي يستجيبها

فمرات عديدة قُدِّمت الصلوات للرب يسوع.

1- الرسل عند اختيار متياس الرسول، وجهوا صلاتهم للرب يسوع قائلين: «أيها الرب العارف قلوب الجميع، عيِّن أنت من هذين الاثنين أيًا اخترته» (أعمال1: 24). ومن البشائر نعرف أن الذي كان يعين الرسل (مرقس3: 13-19)، ويدعوهم (متى10: 1، 5)، ويختارهم (لوقا6: 13-16) هو المسيح. ثم إن الرب يسوع بحسب القرينة في سفر الأعمال أصحاح1 هو الرب يسوع (ع21).

2 - الشهيد استفانوس، شهيد المسيحية الأول، لحظة رقاده، وكان ممتلئًا من الروح القدس، صلى للرب يسوع قائلاً: «أيها الرب يسوع اقبل روحي». مما يدل على إيمانه أن المسيح يقدر أن يسمع صلاته، وعنده القدرة على قبول روحه لحظة رقاده. ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم: «يا رب لا تقم لهم هذه الخطية» (أعمال7: 59و60).

1- في أعمال 8: 24 قال بطرس لسيمون الساحر: «اطلب إلى الرب عسى أن يغفر لك فكر قلبك». والرب بحسب ع16 من الأصحاح ذاته هو الرب يسوع.

2- ثم هو هدف دعاء القديسين من البداية، وهو يسمع الدعاء، فيرد قول حنانيا للرب من جهة شاول الطرسوسي: «وههنا له سلطان من قبل رؤساء الكهنة أن يوثق جميع الذين يدعون باسمك» (أعمال 9: 14). والرب بحسب قرينة الفصل هو المسيح (قارن ع5، 6، 17 ولا سيما ع21).

3- يقول الرسول بولس «كل من يدعو باسم الرب يخلص». وهذه الآية مقتبسة من يوئيل 2: 32 حيث ترد عن الرب ”يهوه“، فيقول يوئيل النبي: «ويكون أن كل من يدعو باسم الرب (يهوه) ينجو». ولقد اقتبسها الرسول بطرس في أعمال 2: 21 وواضح من القرنية أنه يطبقها على المسيح. ثم اقتبسها الرسول بولس في رسالة رومية، وواضح أنها لا تنطبق هناك سوى على الرب يسوع المسيح (رومية10: 9- 13).

4- يكتب الرسول بولس للمؤمنين في كورنثوس قائلاً: «إلى كنيسة الله .. المدعوين قديسين، مع جميع الذين يدعون باسم ربنا يسوع المسيح في كل مكان» (1كورنثوس1: 2). والمعروف أن المؤمنين من بدء الزمان يدعون باسم الرب ”يهوه“، حيث نقرأ حينئذ ابتدئ أن يدعى باسم الرب» (تكوين 4: 26)، ولكن هنا نقرأ عن الدعاء باسم الرب يسوع المسيح، مما يدل على أن جموع المسيحيين، ومن بداية المسيحية، كانوا معتادين على الدعاء باسم الرب يسوع، وعلى الصلاة له. الأمر الذي يعني أن المسيح هو الله.

5- قال الرسول بولس عن الشوكة التي في الجسد والتي أعطيت له: «من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني، فقال لي تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تكمل. فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل عليَّ قوة المسيح» (2كورنثوس12: 8و 9). واضح أن الرب الذي تضرع إليه الرسول هو المسيح، فلقد قال له: ”قوتي في الضعف تكمل“، وتحقق له ذلك إذ حلت عليه ”قوة المسيح“. مما يدل على أن الرب الذي صلى له هو المسيح.

6- الرسول بولس قدم صلاة موجهًا صلاته للمسيح مقرونًا بالآب، فيقول: «وربنا يسوع المسيح نفسه، والله أبونا يعزي قلوبكم، ويثبتكم في كل كلام وعمل صالح» (2تسالونيكي2: 16و17). ولاحظ أنه بعد أن وجه الكلام إلى الرب يسوع وإلى الله الآب، لم يستخدم صيغة المثنى بل المفرد، فلم يقل ”يعزيان“، بل ”يعزي قلوبكم“؛ وذلك لاتحاد الجوهر، رغم تعدد الأقانيم في اللاهوت الأقدس.

7- يوجه الرسول بولس الشكر للرب يسوع قائلاً: «وأنا أشكر المسيح يسوع ربنا، الذي قواني، أنه حسبني أمينًا إذ جعلني للخدمة» (1تيموثاوس1: 12).

8- يقول الرسول يوحنا: «كَتَبْتُ هَذَا إِلَيْكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلِكَيْ تُؤْمِنُوا بِاسْمِ ابْنِ اللهِ. وَهَذِهِ هِيَ الثِّقَةُ الَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئاً حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا. وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبْنَا يَسْمَعُ لَنَا، نَعْلَمُ أَنَّ لَنَا الطِّلْبَاتِ الَّتِي طَلَبْنَاهَا مِنْهُ» (1يوحنا5: 13-15). الضمير في العبارات السابقة كلها يعود على ابن الله، الذي هو المسيح مما يدل على ضرورة موافقة صلواتنا لمشيئته، وأنه هو الذي يسمع لنا، وثالثا أننا نطلب منه، بمعنى أننا نوجِّه الصلوات للمسيح ابن الله.

9- يُختم العهد الجديد بنداء ودعاء للرب يسوع، إذ يقول يوحنا الرائي بلسان كل القديسين: «آمين تعال أيها الرب يسوع» (رؤيا 22: 20).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق